ثورة القاهرة الثانية
مارس – 21 أبريل 1800 م :مقدمات ثورة القاهرة الثانية
بالرغم من استطاعة “نابليون بونابرت” إخماد ثورة القاهرة الأولى بقوة النار والسلاح،
إلا أن هزيمه نابليون بونابرت وفشله في حصار عكا بفلسطين بقيادة أحمد الجزار باشا وفقدانه لأسطوله في البحر المتوسط قضى على حلمه في إخضاع الشرق حتى الهند، فقرر العودة إلى فرنسا للحفاظ على ما تبقى له من مجد في أوروبا، فعاد سراً إلى فرنسا في 12 أغسطس 1799م تاركاً وراءه كليبر ليقود الحملة في مصر.
فشل معاهدة العريش 1800
انتهز المصريون في القاهرة فرصة وجود الجيش العثماني في أطرافها مما أعطاهم الأمل في إمكانية الخلاص من الفرنسيين، فقاموا بالثورة في مارس 1800مأحداث ثورة القاهرة الثانية
وهاجم الثوار المصريين معسكرات الجيش الفرنسي مع قدوم حملة بونابرت على مصر عام 1798م، بدأت آنذاك محاولة لاستخدام بولاق كميناء نهري للوصول إلى مناطق الوجه البحري، وبالرغم أن أهل بولاق لم يساهموا مساهمة ظاهرة في ثورة القاهرة الأولى “أكتوبر 1798م” إلا أنهم هم الذين فجروا ثورة القاهرة الثانية في 20 مارس 1800م بقيادة “مصطفى البشتيلي” من أعيان بولاق.
وبينما كانت معركة عين شمسقائمة بين الجيش الفرنسي بقيادة كليبر والقوات العثمانية ، تسلل فريق من جيش الصدر الأعظم وبعض عناصر المماليك إلى داخل القاهرة وأثاروا أهلها إذ لم يدرك القاهريون حقيقة الأمر عندما استيقظوا على صوت المدافع الدائرة ” فتوجهوا إلى أطراف البلد وقتلوا من صادفوا من الفرنسين”ماجوا ورمحوا إلى أطراف البلد وقتلوا من صادفوا من الفرنسين”.
فكانت ثوره القاهرة الثانيهالتي استمرت شهر تقريبا (23شوال ـ 25 ذو القعده/ مارس ـ 20 أبريل 1800
ولعب أعيان القاهرة وتجارها وكبار مشايخها دور كبير فى ثورة القاهرة الثانية بخلاف ما حدث في الثورة القاهرة الاولى فلم يحجموا عن تزعم ثورة القاهرة الثانية منذ الساعات الأولى، وجادوا بأموالهم لإعداد المآكل والمشارب؛ فقد خرج السيد ” عمر مكرم ” نقيب الأشراف والسيد ” أحمد المحروقي ” شاه بندر التجار على رأس جمع كبير من عامة أهل القاهرة ، وأتراك خان الخليلى والمغاربة المقيمين بمصر وبعض المماليك قاصدين التلال الواقعة خارج باب النصر ، “وبأيدى الكثير منهم النبابيت والعصى والقليل معهم السلاح” واحتشد جمع اخر وصاروا يطوقون بالأزقه والحارات وهم يرددون الهتافات المعادية للفرنسين ،ثم اشتبك الثوار مع طوائف الأقليات في معارك راح ضحيتها عديدون من نصارى القبط والشوام وغيرهم، وتحصن الفرنسيون بمعسكرهم بالازبكية . وصاروا الثوار يطوفون بالأزقه والحارات وهم يرددون الهتافات العدائية ضد الفرنسين. وأثاروا أهلها
وأحضر الثوار ثلاثة مدافع كان الأتراك قد جاءوا بها إلى المطرية ، وجلبوا عدة مدافع أخرى وجدت مدفونة في بيوت الأمراء، وأحضروا من حوانيت العطارين من المثقلات التي يزنون بها البضائع من حديد وأحجار استعملوها عوضا عن الجلل للمدافع “لضرب مقر القيادة الفرنسية بالازبكية كما أنشأوا مصنعا للبارود بالخرنفش، واتخذوا بيت القاضى وما جاوره من أماكن “من جهة المشهد الحسيني” مقرا لصناعة وإصلاح المدافع والقذائف “وعمل العجل والعربات والجلل” وأقاموا معسكر للأسرى بالجمالية، وبثوا العيون والأرصاد للتجسس على المحتلين واستكشاف خططهم ونوايهم ولم يتوانوا عن أخذ كل من تعاون مع الفرنسين من الخونة بالشدة والعنف.
وسرعان ما انتقل لهيب الثورة إلى بولاق لحاج” مصطفى البشتيلي “من معه بتهيج العامة ،وانقضوا بعصيهم وأسلحتهم ورماحهم على معسكر الفرنسين، وقتلوا حراسة “ونهبوا جميع ما فيه من خيام ومتاع وغيره، ورجعوا منها، وعملوا كرانك حوالى البلد ومتاريس، واستعدوا للحرب والجهاد”.
وكافح القاهريون بكل ما في وسعهم من جهد، ووصل المجاهدون الليل بالنهار في قتال عنيف شارك فيه الجميع بحيث “لم ينم سوى الضعيف والجبان والخائف” كما يقول الجبرتى
وقد راحوا يصلون العدو نارا حامية من بنادقهم، في حيت كان هناك من عدهم خلف المتاريس بما يحتاجون مؤن. كذلك “باشر السيد أحمد المحروقى وباقى التجار ومساتير الناس الكلف والنفقات والمشارب” وأتى أهل الأرياف القريبة بالميرة والاحتياجات من السمن والجبن واللبن والغلة والغنم فيبقونه، ثم يرجعون إلى بلادهم.
وعندما عاد ” كليبر ” الى القاهرة بعد ثمانية أيام من اشتعال الثورة وجدها قد تحولت إلى ثكنة عسكرية، فأمر بتشديد الحصار عليها ومنع المؤن المجاهدين، ولم ييئس كليبر فلجأ إلى الاتصال بمراد بك أحد زعماء المماليك ، وتفاوض الاثنان على الصلح، وأبرمت بينهما معاهدة بمقتضاها أصبح مراد بك حاكمًا على الصعيد في مقابل أن يدفع مبلغًا إلى الحكومة الفرنسية، وينتفع هو بدخل هذه الأقاليم، وتعهد كليبر بحمايته إذا تعرض لهجوم أعدائه عليه، وتعهد مراد بكمن جانبه بتقديم النجدات اللازمة لمعاونة القوات الفرنسية إذا تعرضت لهجوم عدائي أيًا كان نوعه، وكان هذا يعني أن مراد فضل السيادة الفرنساوية على السيادة العثمانية.
ولم يكتف مراد بكبمحاولته في إقناع زعماء الثورة بالسكينة والهدوء، بل قدم للفرنسيين المؤن والذخائر، وسلمهم العثمانيين اللاجئين له، وأرسل لهم سفنًا محملة بالحطب والمواد الملتهبة لإحداث الحرائق بالقاهرة.
وما كاد ينجح في ذلك حتى دك القاهرة بالمدافع، وشدد الضرب على حى بولاق، فاندلعت ألسنة النيران فيه، والتهمت الحرائق عددا من المباني والقصور في الأزبكية وبركة الرطلى، ومع ذلك فقد ظلت الروح المعنويه للشعب قوية، وخرج المشايخ والفقهاء والتجار يدعون الناس للقتال، ويحرضونهم على الجها
وعاد كليبر إلى القاهرة يوم 27 مارس بعد أن هزم القوات العثمانية في عين شمس والمطرية، فوجد نار الثورة تضطرم في أحياءها خاصة في بولاق ومصر القديمة وإقامة الثوار حصوناً للدفاع، ووجد جميع الوكالات والمخازن التي على النيل قد تحولت إلى شبه قلاع احتلها الثوار، وصارت الملاحة في النيل تحت رحمتهم. وعندما أنهي الجنرال “بليار ” ثورة دمياط ، وعاد بمعظم قواته إلى القاهرة، عسكر أمام بولاق التي كانت قد تحولت إلى معقل الثورة، فقرر كليبر القضاء على ثورة القاهرة، حتى ولو اضطر إلى إحراق القاهرة وبولاق معاً.
في 14 أبريل 1800م أنذر كليبر العاصمة بالتسليم ولكن الثوار لم يعبأوا. وفي اليوم التالي بدأت الجنود بالهجوم على حي بولاق قبل شروق الشمس بقيادة الجنرال “بليار”، وأخذوا يضـربونه بالمدافع، وكانت مداخل الحي مُحصنة والثوار مُتحصنين خلف المتاريس وفي البيوت، فأجابوا على ضرب المدافع بإطلاق النار من المتاريس والبيوت المُحصنة، ولكن نيران المدفعية الفرنسية كانت أقوى فحطمت المتاريس القائمة على مدخل الحي فحدثت فيها ثغرة كبيرة، تدفق منها الجنود إلى شوارع بولاق، وأضرموا النار في البيوت القائمة بها، فاشتعلت فيها واتسع مداها وإمتدت إلى مباني الحي من مخازن ووكالات ومحال تجارة فالتهمتها، وما كان فيها من المتاجر العظيمة، ودمرت هذا الحي الكبير الذي يعد ميناء للقاهرة في ذلك الوقت ومستودعاً لمتاجرها، وهدمت الدور على سكانها فأبيد كثير من العائلات تحت الأنقاض أو في لهب النار وامتد ضرب المدفعية إلى باقي أحياء القاهرة.
اضطر المشايخ والعلماء التوسط للصلح من أجل العامة. وأرسل كليبر يطلب إليهم وفداً من العلماء ليكونوا سفراء بينه وبين الجماهير، فأرسلوا المشايخ “الشرقاوي والمهدي والسرسي والفيومي” وغيرهم، وقابلوا الجنرال كليبر فعرض عليهم أن يوقف القتال ويعطي أهل القاهرة أماناً، فلما عرض المشايخ طلب كليبر الصلح على الجماهير وزعماء الثورة، تغلب ثوار العامة على العقلاء، فقاموا عليهم وسبوهم وضربوا المشايخ ورموا عمائمهم واتهموهم بالردة والموالاة للفرنسيين مما أخفق مساعي الصلح وتجددت المذابح.
تسليم القاهرة
تحرك علماء الأزهر واستأنفوا مساعيهم لحقن الدماء، بعد استمرار ثورة القاهرة الثانية حوالي شهر، بقيادة “عمر مكرم” الذي التف الشعب حوله، وأصبح رمزًا للمقاومة والصمود، وفشلت معها المحاولات لوقف الثورة، إلى أن تم وقف عمليات الإحراق والتدمير، ودارت مفاوضات التسليم بين الثوار وكليبر انتهت بعقد اتفاق في “26 من ذي القعدة 1214هـ – 21 من أبريل 1800 م”، وقع عليه ناصف باشا من الأتراك العثمانيين، وعثمان أفندي عن مراد بك، وإبراهيم بك عن المماليك، وفيه تعهد العثمانيون والمماليك بالجلاء عن القاهرة خلال ثلاثة أيام مع أسلحتهم وأمتعتهم ما عدا مدافعهم إلى حدود سوريا، في مقابل أن يعفو كليبر عن سكان القاهرة بمن فيهم الذين اشتركوا في الثورة.
ونلاحظ هنا فى تلك الثورة انه لم يشارك أى فرد من اعضاء الديوان ولذلك لعله يرجع الى الاتى .
ان الشعب اعتبرهم متعاونين مع الاحتلال الفرنسى
انهم استكانوا لمواقعهم الجديدة و قربهم من السلطة وما كان يعنيه ذلك من امتيازات
ولكن كان للشيخ ” محمد الانور السادات ” دور فى تلك الثورة و لكن لا يقارن بدوره فى ثورة القاهرة الاولى .
اما زعماء تلك الثورة فهم اصدقاء المنفى و المصير الواحد ” عمر مكرم ” و ” السيد أحمد المحروقى “
ما قيل عن تلك ثورة القاهرة الثانية
لقد قال كليبر فى مذكراته عن تلك الثورة .
” استخرج الاعداء ” المصريون “مدافع كانت مطمورة فى الارض و أنشأوا معامل للبارود و مصانع لصب المدافع و عمل القنابل و ابدوا فى كل ناحية من النشاط ما اوحت به الحماسة و العصبية “
و روى أحد مهندسى الحملة .
” قام سكان القاهرة بما لم يستطع أحد أن يقوم به من قبل فقد صنعوا البارود و القنابل من حديد المساجد و ادوات الصناع و فعلوا ما يصعب على العقل تصديقه وليس من رأى كمن سمع وذلك انهم صنعوا المدافع “
( انذرت بولاق بالتسليم فرفض أهلها كل انذار و اجابوا بأباء و كبرياء انهم يتبعون مصير القاهرة و انهم اذا هجموا فأنهم مدافعون عن أنفسهم حتى الموت فأخذ الجنرال ” فريان ” يحاصر المدينة و يصوب إليهم الضربات بمدافعه لكنهم رفضوا التسليم و اجابوه بضرب النار ببنداقهم الصغيرة واستمر القتال فجعلنا منطقة بولاق ضراما و أسلمناها النهب و السلب و صار أهلها عرضة لبطش الجنود و تنكيلهم وسالت انهار الدم فى الشوارع ستظل بولاق زمنا طويلا تتردى فى هاوية الخراب الى ان تستطيع النهوض من اعباء الكوارث التى حلت بها فإن معظم هوتها أصبحت ركاما من الخراب و الاطلال المحترقة و لقد مضت ثمانية ايام و النار تلتهمها و لاتزال تشتعل فيها “)
نتائج ثورة القاهرة الثانية
ازدادت نقمة كليبر على القاهرة بالرغم من توقيعه لمعاهدة مع ” ناصف باشا “قائد القوات العثمانية التى دخلت القاهرة بالجلاء عن القاهرة يوم 25 أبريل بينما يتعهد ” كليبر ” بالعفو عن اهالى القاهرة ولكنه لم يف بوعده ، وكانت فيه غطرسة وكبرياء، ففرض على أهالي القاهرة غرامة مالية ضخمة قدرها 12 مليون فرنك وطالبهم بتدبير 20.000بندقية و 10.000سيف و 20.000 طبنجة ، وخص علماء الأزهر بنصيب كبير منها، وعلى رأسهم الشيخ السادات، ومصطفى الصاوي ومحمد الجوهري وغيرهم، وألقى بالشيخ السادات في السجن حين عجز عن تدبير المبلغ الذي طالبه به من الغرامة، وكان مائة وخمسين ألف فرنك وقيل 800.000 فرنك ، وقام بتعذيبه دون أن يراعي مكانته وسنه.وقام بمصادرة املاك الزعماء و بخاصة ” أحمد المحروقى “
أما بولاق
فرض كليبر على بولاق لوحدها 500.000ريال نقدا و عينا
تسليم الاسلحة و مالدى الاهالى من الاخشاب و الحبوب
اشعال النار فى بعض الاحياء برمتها و تهدمت بيوت عامرة و دفنت تحت انقاضها عائلات بأكملها ومن الاحياء التى التهمتها النار حى الازبكية و غيرها
انصرف كليبر بعد اخماد ثورة القاهرة الثانيةإلى إجراء بعض الاصلاحات الإدارية والمالية في محاولة لاسترضاء الشعب
معاهدة الصلح بين كليبر و مراد بك ( 12 أبريل 1800 م ).
استطاع كليبر تحقيق انتصار قوى بعقد معاهدة صلح مع مراد بك وهذا ما ساعده على الانتصار فى ثورة القاهرة الثانيةوهناك عدة اسباب لعقد تلك المعاهدة نذكر منها الاتى :
تكبده خسائر فادحة بسبب مطاردة الفرنسيين له
خوف مراد من استرداد العثمانيين للبلاد
معرفته ما تنوى الدولة العثمانية فعله من ابعاد المماليك عن الحكم و البلاد
لذلك أمتنع مراد بك من الاشتراك فى معركة ” عين شمس” رغم وجوده مع رجاله بالقرب من ميدان القتال ورفض الانضمام إلى ناصف باشا بعد دخوله القاهرة
وكانت المعاهدة تتألف من عشرة بنود تنص على الاتى .
أولا : أعطاء مراد بك الحكم الحكم و الامارة فى الصعيد
ثانيا : الانتفاع بالبلاد الكائنة بالبر الشرقى و البر الغربى للنيل ابتداء من بلصفورة بمديرية جرجا إلى أسوان على أن تكون جرجا العاصمة
ثالثا : أن يؤدى للجمهورية الفرنسية الخراج الواجب دفعه لصاحب الولاية على مصر
رابعا : يخصص لمراد بك إيراد جمرك القصير و إسنا
خامسا : ان يحتل الجيش الفرنسى ثغر القصير على أن يكون لمراد بك الحق فى إبقاء فصيلة من الجنود المماليك فيها
سادساً : تعهد كليبر بحمايته فى حالة مهاجمته و إذا حدث هجوم على المنطقة التى يحتلها الفرنسيين فعلى مراد بك ان يرسل إليها قوة من جنوده لمعاونة القوات الفرنسية
لقد حكم مراد بك الصعيد تحت حماية الحكومة الفرنسية و فضلها على السيادة العثمانية و سمى نفسه ” سلطانا فرنسيا “
ولقد ظهرت اهمية تلك المعاهدة فى ارسال مراد بك لكليبر اثناء ثورة القاهرة عددا من المراكب المحملة بالحطب و المواد الملتهبة لإحداث الحرائق بالقاهرة و تمكن الفرنسيون من اخماد الثورة بسبب مساعدات مراد بك لهم
مقتل كليبر
لقد قام أحد طلاب الازهر الشريف وهو طالب سورى الجنسية و يدعى ” سليمان الحلبى بالتنكر فى لبس شحاذ و الدخول لقصر كليبر ومن ثم وجه إليه طعنات أودت بحياته فى 14 يونية 1800 م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق